نشأ في سوريا، تنفس أول أنسام الحياة في حلب، ولفظ آخر أنفاسه في القاهرة، وفيما بين حلب والقاهرة، وغيرهما من بلاد المسلمين كانت له خطوات، ونظرات، ثم كان له من ذلك كله دعوات جريئة وصريحة إلى الإصلاح.
ففي حلب تلك المدينة المعطاءة التي أخرجت المعرِّي، وسيف الدولة وأبا فراس، والبحتري، وابن النديم، وعاش في ظلالها
المتنبي، والفارابي.. وغيرهم من القادة، والشعراء، والمفكرين وُلِد
عبد الرحمن بن أحمد بن مسعود الكواكبي سنة 1265هـ في أسرة شريفة تنتسب إلى الإمام علي-رضي الله عنه- ولما بلغ عبد الرحمن سن السادسة توفيت أمه، فذاق مرارة الحرمان مبكرًا، فأرسله والده إلى خالته السيدة صفية بنت مسعود النقيب بأنطاكية، كانت تجيد القراءة والكتابة والخط، فأقام عندها ثلاث سنوات تعلم خلالها اللغة التركية والقراءة والكتابة.
عاد الكواكبي بعدها إلى حلب، ليتولى والده تربيته، فأدخله والده المدرسة الكواكبية ليكون تحت إشرافه حيث كان مدرسًا ومديرًا لهذه المدرسة، فتعلم فيها مبادئ الدين واللغة العربية، ولما كان عبد الرحمن الكواكبي على معرفة تامة باللغة التركية، كان يقرأ الصحف التركية التي تصل إلى حلب بسهولة فاتسع تفكيره وازدادت معارفه، وفي الثانية والعشرين من عمره، عمل بالصحافة فأصبح محررا في جريدة الفرات وهي الجريدة الرسمية التي كانت تصدرها الحكومة باللغتين العربية والتركية، وبعدها أراد الكواكبي أن ينقل تجربته الصحفية إلى الساحة العربية فأنشأ جريدة عربية في حلب سماها (الشهباء) فأغلقها الأتراك، فأنشأ جريدة (الاعتدال) فكان مصيرها كالأولى.
وشغل الكواكبي العديد من الوظائف، فكان رئيسًا لقلم المحضرين في ولاية حلب، وعضوًا فخريًّا في لجنة امتحان المحامين، ورئيسًا للجنة الأشغال العامة، كما عمل بالقضاء وقام بأعمال عمرانية وتجارية أكسبته خبرة بالناس وتجربة كبيرة بالحياة، وكان في كل أعماله يصطدم بنظام الدولة واستبداد الحكام وفساد الإدارة، وكان سلاحه النزاهة والاستقامة والعدل.
وكان للكواكبي مكانة مرموقة في بلده يقصده أصحاب الحاجات لقضائها، ويلجأ إليه أرباب المشاكل لحلها، بل كان رجال الحكم يستشيرونه أحيانًا فيبدي رأيه في جرأة وشجاعة، لا يقرُّ ظالمًا على ظلمه ولا يسالم جائرًا، لذلك حاربه ولاة حلب ورجال الدولة في الأستانة، فَزوِّرت عليه التهم فقُدِّم للمحاكمة وهو بريء مما نُسب إليه، الأمر الذي جعله يهاجر سرًّا إلى مصر سنة 1316هـ/1899م لينشر فيها فصولاً من كتابه (طبائع الاستبداد) في
جريدة (المؤيد).
قام الكواكبي بزيارة العديد من الدول الإسلامية فطاف بسواحل إفريقيا الشمالية، وسواحل آسيا الغربية ودخل الجزيرة العربية، واتصل برؤساء قبائلها،كما نزل الهند، واستقر به المقام في مصر، وكان ينوي أن يتم رحلته إلى بلاد المغرب، ولكن المنية عاجلته
سنة 1320هـ/1902م.
ولم يكن يعرف الاستقرار أو راحة البال، فتراه في تلك البلاد التي يزورها يقابل الزعماء والرؤساء ويجتمع بأفراد الشعب ويدرس أحوال البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وما يشــيع فيــها من نواحي الضعف والفساد وما يدور فيــها من عوامـل الـقوة والنـشاط، فجعل هذه الدراسات أساسًا لدعوته الإصلاحية.
سجل الكواكبي نتائج دراسته لأحوال المسلمين في زمانه في كتابين له هما: (طبائع الاستبداد) و(أم القرى) وكان الكواكبي يحاول دائمًا أن يجمع شمل الأمة الإسلامية لتكون قوة هائلة ترهب المستبدين، وكان يرى أنه بالعلم وحده يمكن أن يعرف الناس أن الحرية أفضل من الحياة نفسها وأكرم، وأن الشرف أعز من المنصب والمال.
كما كان يحارب البدع ويرى أنها مرض يجب مداواته، فيقول عن أصحاب البدع الذين شوهوا صورة الإسلام: (فمنهم الذين استبدلوا بالأصنام القبور، فبنوا عليها المساجد والمشاهد، وأرخوا عليها الستور، يطوفون حولها مُقَبِّلين مُسْتَلِمِين أركانها).
وكان الكواكبي كريم الخلق حتى قيل عنه: إنه مؤدب اللسان، لا تؤخذ عليه هفوة، يزن الكلمة قبل أن ينطق بها وزنًا دقيقًا، هادئ في حديثه، إذا قاطعه أحد سكت، وانتظر حتى يتم حديثه، ثم يصل ما انقطع من كلامه، نزيه النفس لا يخدعه مطمع، ولا يغريه
منصب، شجاع فيما يقول ويفعل، متواضع للبائسين والفقراء يقف دائمًا بجانب الضعفاء حتى لقبوه بأبي الضعفاء، فكان شعاره:
أَنَا إِنْ عِشْتُ لَسْتُ أَعْدَمُ قُوتًا وَإِذَا مِتُّ لَستُ أَعْــدَمُ قَبْرَا
فَعَـلاَمَ أُذِلُّ لِلنَّاسِ نَفْسِي وَعَـلامَ أَخَافُ زَيْدًا وَعُمَرَا
هِمَّتِي هِمَّةُ الكِبَـــارِ وَنَفْسِي نَفْسُ حُرٍّ تَرَى المَذَلَّةَ كُفْرَا
وجاءت نهاية رائد الحرية والوعي الإسلامي في الشرق العربي؛ ففي مساء الخميس من شهر ربيع الأول سنة 1320هـ الموافق
14 يونيو سنة 1902م فارق عبد الرحمن الكواكبي الحياة؛ فأمر الخديوي عباس بدفنه على نفقته الخاصة، ورثاه الكتاب، والشعراء والمفكرون.
ففي حلب تلك المدينة المعطاءة التي أخرجت المعرِّي، وسيف الدولة وأبا فراس، والبحتري، وابن النديم، وعاش في ظلالها
المتنبي، والفارابي.. وغيرهم من القادة، والشعراء، والمفكرين وُلِد
عبد الرحمن بن أحمد بن مسعود الكواكبي سنة 1265هـ في أسرة شريفة تنتسب إلى الإمام علي-رضي الله عنه- ولما بلغ عبد الرحمن سن السادسة توفيت أمه، فذاق مرارة الحرمان مبكرًا، فأرسله والده إلى خالته السيدة صفية بنت مسعود النقيب بأنطاكية، كانت تجيد القراءة والكتابة والخط، فأقام عندها ثلاث سنوات تعلم خلالها اللغة التركية والقراءة والكتابة.
عاد الكواكبي بعدها إلى حلب، ليتولى والده تربيته، فأدخله والده المدرسة الكواكبية ليكون تحت إشرافه حيث كان مدرسًا ومديرًا لهذه المدرسة، فتعلم فيها مبادئ الدين واللغة العربية، ولما كان عبد الرحمن الكواكبي على معرفة تامة باللغة التركية، كان يقرأ الصحف التركية التي تصل إلى حلب بسهولة فاتسع تفكيره وازدادت معارفه، وفي الثانية والعشرين من عمره، عمل بالصحافة فأصبح محررا في جريدة الفرات وهي الجريدة الرسمية التي كانت تصدرها الحكومة باللغتين العربية والتركية، وبعدها أراد الكواكبي أن ينقل تجربته الصحفية إلى الساحة العربية فأنشأ جريدة عربية في حلب سماها (الشهباء) فأغلقها الأتراك، فأنشأ جريدة (الاعتدال) فكان مصيرها كالأولى.
وشغل الكواكبي العديد من الوظائف، فكان رئيسًا لقلم المحضرين في ولاية حلب، وعضوًا فخريًّا في لجنة امتحان المحامين، ورئيسًا للجنة الأشغال العامة، كما عمل بالقضاء وقام بأعمال عمرانية وتجارية أكسبته خبرة بالناس وتجربة كبيرة بالحياة، وكان في كل أعماله يصطدم بنظام الدولة واستبداد الحكام وفساد الإدارة، وكان سلاحه النزاهة والاستقامة والعدل.
وكان للكواكبي مكانة مرموقة في بلده يقصده أصحاب الحاجات لقضائها، ويلجأ إليه أرباب المشاكل لحلها، بل كان رجال الحكم يستشيرونه أحيانًا فيبدي رأيه في جرأة وشجاعة، لا يقرُّ ظالمًا على ظلمه ولا يسالم جائرًا، لذلك حاربه ولاة حلب ورجال الدولة في الأستانة، فَزوِّرت عليه التهم فقُدِّم للمحاكمة وهو بريء مما نُسب إليه، الأمر الذي جعله يهاجر سرًّا إلى مصر سنة 1316هـ/1899م لينشر فيها فصولاً من كتابه (طبائع الاستبداد) في
جريدة (المؤيد).
قام الكواكبي بزيارة العديد من الدول الإسلامية فطاف بسواحل إفريقيا الشمالية، وسواحل آسيا الغربية ودخل الجزيرة العربية، واتصل برؤساء قبائلها،كما نزل الهند، واستقر به المقام في مصر، وكان ينوي أن يتم رحلته إلى بلاد المغرب، ولكن المنية عاجلته
سنة 1320هـ/1902م.
ولم يكن يعرف الاستقرار أو راحة البال، فتراه في تلك البلاد التي يزورها يقابل الزعماء والرؤساء ويجتمع بأفراد الشعب ويدرس أحوال البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وما يشــيع فيــها من نواحي الضعف والفساد وما يدور فيــها من عوامـل الـقوة والنـشاط، فجعل هذه الدراسات أساسًا لدعوته الإصلاحية.
سجل الكواكبي نتائج دراسته لأحوال المسلمين في زمانه في كتابين له هما: (طبائع الاستبداد) و(أم القرى) وكان الكواكبي يحاول دائمًا أن يجمع شمل الأمة الإسلامية لتكون قوة هائلة ترهب المستبدين، وكان يرى أنه بالعلم وحده يمكن أن يعرف الناس أن الحرية أفضل من الحياة نفسها وأكرم، وأن الشرف أعز من المنصب والمال.
كما كان يحارب البدع ويرى أنها مرض يجب مداواته، فيقول عن أصحاب البدع الذين شوهوا صورة الإسلام: (فمنهم الذين استبدلوا بالأصنام القبور، فبنوا عليها المساجد والمشاهد، وأرخوا عليها الستور، يطوفون حولها مُقَبِّلين مُسْتَلِمِين أركانها).
وكان الكواكبي كريم الخلق حتى قيل عنه: إنه مؤدب اللسان، لا تؤخذ عليه هفوة، يزن الكلمة قبل أن ينطق بها وزنًا دقيقًا، هادئ في حديثه، إذا قاطعه أحد سكت، وانتظر حتى يتم حديثه، ثم يصل ما انقطع من كلامه، نزيه النفس لا يخدعه مطمع، ولا يغريه
منصب، شجاع فيما يقول ويفعل، متواضع للبائسين والفقراء يقف دائمًا بجانب الضعفاء حتى لقبوه بأبي الضعفاء، فكان شعاره:
أَنَا إِنْ عِشْتُ لَسْتُ أَعْدَمُ قُوتًا وَإِذَا مِتُّ لَستُ أَعْــدَمُ قَبْرَا
فَعَـلاَمَ أُذِلُّ لِلنَّاسِ نَفْسِي وَعَـلامَ أَخَافُ زَيْدًا وَعُمَرَا
هِمَّتِي هِمَّةُ الكِبَـــارِ وَنَفْسِي نَفْسُ حُرٍّ تَرَى المَذَلَّةَ كُفْرَا
وجاءت نهاية رائد الحرية والوعي الإسلامي في الشرق العربي؛ ففي مساء الخميس من شهر ربيع الأول سنة 1320هـ الموافق
14 يونيو سنة 1902م فارق عبد الرحمن الكواكبي الحياة؛ فأمر الخديوي عباس بدفنه على نفقته الخاصة، ورثاه الكتاب، والشعراء والمفكرون.