ولد خليل مطران في مدينة بعلبك بلبنان عام 1871م على الأرجح ومن خلال الروايات التي كتبت عنه.
قضى بعض عنفوان شبابه في لبنان، ثم هاجر الى باريس حيث نهل من منابع الآداب الغربيه وعلومها من خلال ما أتت به قريحته الشعرية.
كانت محطته الأولى باريس ، حيث كانت انطلاقته الأدبية شهدت اشتراكه في بعض الحركات الوطنية التي أسهمت في تحرير الوطن العربي آنذاك من براثن الاستعمار الغربي أولج عالمه في عوالم الصحافة عندما عاد الى مصر .
عين مراسلا لجريدة الأهرام في القاهرة عندما كانت تصدر من الأسكندرية طلب منه ان يتولى رئاسة تحريرها الا أنه رفض بحجة تغيير المسار الى الحياة العاملة، كان له نشاط ملحوظ آنذاك في ميادين الاقتصاد ، وعندما تساوت كفتا الميزان في الربح والخسارة عصفت به الظروف في دوامات الحيرة..حتى أجبرته للعمل سكرتيرا لدى الجمعية الزراعية. بعدها تولى إدارة الفرقة القومية للتمثيل العربي عام 1935 وظل فيها طيلة سبعة أعوام..الى ان داهمته العلة واعاقته من النهوض بأي عمل ورغبت اليه الموت فودع خليل مطران شقاء الدنيا في مساء الخميس 1/ 6 / 1949م.
--------------------------------------------------------------------------------
عاش خليل مطران سبعا وسبعين عاما..كابد المحن واحداثا جساما في الشرق العربي. تعاقبت على هذا الشرق ثورات سياسيين وحروب مختلفة الى أن عايش الحرب العالمية الثانية. آثار الانعكاس الدامي من هذه الأحداث تعتريها أشعاره فقد قال في احدى قصائده.
ولنبك من ماتوا وما منه جبان منهزم
ولنرث للضعفاء يفنيهم قوي مغتشم
خطب رآه المنصفون كان أحياهم وضم
راوا الذئاب فحاولوا ان يدرأوها بالحكم
من للضعيف اذا شكا وعلى القوي اذا أثم
لقد كان مطران أبي النفس ، حر الطباع ، نزاعا الى التحرير من القيود لاسيما قيود الظلم ، فدائما ما يدافع عن حرية الرأي ، فقد كتب قصيدة ضد وزير وزارة عندما هدده الأخير في النفي ، فكان مطلع القصيدة:
أنا لا أخاف ولا أرجي فرسي مؤهبة وسرجي
فإذا بنا بي متن بر فالمطية بطن لج
لا قول غير الحق لي قول وهذا النهج نهجي
الوعد والا يعاد ماكانا لدى طريق فلج
وفي هذا السياق نرى ونلمس بأن من العوامل التي أثرت في نفسه وحياته عامل خطير يتمثل في قلة احتفال الناس في عصره بالأدب والأدباء وندرة القراءة في اللغة العربية وهو عامل مازال يشكو منه الأدب العربي حتى وقتنا هذا .
--------------------------------------------------------------------------------
كان خليل مطران مرهف الحس رقيق الشعور رقة مفرطة إحساسا الى درجة بالغة ، وقد انعكست هذه الرقة في شعره . عندما كتب في مقدمة الجزء الأول من ديوانه:
اقتباس:
حاولت ان اصنع شعري وأعرف انني لست من العلم واقتدار الفكر في المكان الذي يبلغني منه أوفى المرام. ولكني تيقنت ان ما أردته به من الاغراض قد نفذ الى قلوب قارئيه . وأحدث فيها ما أبتغيه من الأثر. فيا هؤلاء..نعم هذا هو شعر عصري ، وفخرة انه عصري ، وله على سابق الشعر ، فرية زمانه على سالف الدهر.
--------------------------------------------------------------------------------
كان للطبيعة النصيب الوافر وله عمق خالد الى حد التفاني فيها والامتزاج معها يخاطبها وتخاطبه بقوله:
متضائقا أنا ومنفرجا متخللا خضر البساتين
متهللا لتحية الشجر متضاحكا ضحك المجانين
لملاعب النسمات والزهر
وفي الهواء حنين تذوب فيه الصخور
وللنسيم حديث على المروج يدور
وللأزاهر فكر يرويه عنها العبير
وقد كان لمطران الاهتمام الأكثر في كتابة الشعر القصصي دون غيره من الشعراء. فشاعريته فتحت لنا آفاقا جديدة في عالم الشعر العربي. حيث كان الشعر لديه متنفسا للتعبير عن أحاسيسه الانسانية وعاطفته الجياشة لبنى الانسان.
وبحزن عميق يروق لك ان تسمعه عندما تسابقنا الأفنية لسماعه وهو يتلو الآبيات التالية:
فجعت فؤادي يازمان بخطبها فليتك مرزوء الفؤاد بأفجع
عروس لعام لم يتم صرعتها ولو شئت لم تضرب بأمضى وأقطع
فبات على مهد الضنى مالجفنها هجوع ولا جفني يقر بمهجع
وكانت ربيعا لي فأقوت مرابعي من الزهر والشدو الرخيم المرجع
ففى هذه الأبيات السابقة يروي مطران قصة العوادة المتسوله التي ماتت بعد عام من زواجها ، وكانت القصيدة تحمل عنوان (وفاء) وان مثل هذا الشعر يتم عن شعور صادق بالمشاركة في السراء والحزن ، وقد كتب في ذلك المجال كثيرا لقصة (الجنين الشهيد) و(المنتحر) و(الطفل الظاهر).
على النقيض من ذلك هناك جانب آخر يتمتع به الشاعر هو نواح مشرقه مستملحة أجاد فيها زوح المرح من حيث الدعا به الحقيقة الراقية كقصة (إن من البيان لسحرا) وهي تحكي قصة شاعر عذب الحديث ، ساحر البيان .نهيت الفتيات عن الاستماع اليه ، لكنهن لم يعبأن بالنهي وانسللن اليه خفية فأخذ يقص عليهن من القصص ماسحر البابهن وأوقعهن في اسر بيانه حين قال:
سر العذارى مبنى عن شاعر للحي زائر
فقصدته وسخرن من زجر الأميمات الزواجر
فوجدته رجلا مليحا خلقه حسن الظواهر
لاشي يفتضح النهي فيه كما أدعت النواهر
فسألته إنشاد شتى من بدائعه الحواضر
فأطاعهن ومن ترى يعصي الجميلات الأوامر
فعقدن فيما حوله عقدا فريدا من جواهر
وتناول الرجل الرباب وفكره في الغيب ناظر
وآثار في الأوتار تغريدا كأن العود طائر
ولما كانت ثقته بنفسه تسمو ، فقد كان حياديا ويصبح بحديثه الصادق مهما تباينت بجانبه الظروف وتلاحقه المآسى وإلا انه يقول :
اقتباس:
انني اصرخ غير هائب أن شعر هذه الطريقة ولا أعنى منظوماتي الضعيفة ـ هو شعر المستقبل لأنه شعر الحياة والحقيقة والخيال جميعا ، وللدلالة على صعوبة الوصول الى الاتقان في مثل هذا النوع من النظم نشرت في هذا الديوان القصيدة الأولى من شعر الصبي وقصائد أخرى. وليس من شعري يعتني بالأكثر هنا بين الطرس والمداد الا مدامع ذرفتها وزفرات صعدتها وقطعا من الحياة بددتها ، ثم نظمتها فتوهمت اني استعدتها.
--------------------------------------------------------------------------------
في اللحظات الأخيرة..قبيل الاحتضار والوهن يشدق بناحيته. شحبت ذاكرته..فتقدم به الأمس..حتى سار بخطى متئدة.قل في شعره جموح العاطفه، وغلب عليه التعقل والهدوء المفتعل حتى قال في آخر عهده:
اقتباس:
فاعذروني ضعف شاعر يتغنى بتراجيع من بقايا الليالي
ولذلك وتأكيد لما سبق قوله بان استعارته المفاجئة وتشبيهاته الغريبة وتحليقه في سماوات الخيال قد قلت تشاءفت ابتسامته كفيلسوف ترقب أحداث الحياة ويسجلها بأكثر من قالب عندما كان يصاحبها من خيال خصب فسيح المدى كقوله في رثاء الشيخ عبدالعزيز البشري :
شخص قليل ظله طاوى الحشى يمشي فلا تتوازن الكتفان
حفت ملامحه تمسحه أذمه هي من منى ان شئت او من عدنان
كما نتذكر بيتا من أبياته عندما كتب رثاه للبازجي قال فيها:
رب القريض وسيد العلم وفيت قسطك للعلى فنم
عنجد كبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــير يا خليل مطران واستاااااذ