ولد الجواهري عام (1899 ) في مدينة النجف الأشرف. وتوفي في أحضان الشام في أحد الصباحات عام (1997) بعيداً عن العراق، وجاء لقب الجواهري نسبة إلى كتاب ألفه أحد أقاربه وذاع صيت ذاك الكتاب الذي يحمل عنوان ( جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام) لمؤلفه محمد حسن ويعتبر من أبرز أعلام الفقه في عصرهِ.
نشر للجواهري أول قصيدة عام (1931).
في عام 1939 توفيت زوجة الشاعر محمد مهدي الجواهري "أم فرات" وهو خارج القطر يشارك في مؤتمر في لبنان، ولم يحضر مراسيم الدفن، وعندما عاد كتب هذه القصيدة أثناء زيارة القبر.
غطس في صدى عينيها والقبر يحيل بينهما، فلا يجد غير النعي لمن فقدها وأصبحت تعزله عنها مسافات لا شأن لها بالقياسات، وتفتت فؤاده أمواج الفراق ونار الشوق لحدث عصت كل السبل فهمهِ هو من شؤون الدهر ودروبه، كان يحلم أن يعيش الحياة معها كما يحلو له متحرراً من طغيان الموت الذي أصبح حائلاً بينهما ، والآن لا يجد غير المناجات فيقول:
(( في ذمة الله ما ألقى وما أجد أهذه صخرة أم هذه كبدُ
قد يقتل الحزن من أحبابه بَعِدوا عنه فكيف بمن أحبابه فقدوا
تجري عللا رسلها الدنيا ويتبعها رأي بتعليل مجراها ومعتقد
أعيا الفلاسفة الأحرار جهلهم ماذا يخبئ لهم في دفتيه غد))
الجواهري يتهم الفلاسفة بالجهل، أمام الموت وعدم وصولهم لما يهدي البشر لمعرفة هذا المجهول، ونعم الاتهام!!!، ولا يوجد فلسفة اسمها الموت أو البحث في ماهية الموت؛ في يوم كتبت في مفكرتي " أجد الفلاسفة تعمل عمودياً مع المكان والحياة والمعرفة ولا تجد إلى الآن مسطح أفقي يجعلها تغطي فضائنا الفكري من هذه الناحية.. كنت في وقتها في حالة حزن شديدة لفقدان ابنتي ذات العشرة سنوات بحادث قلب حياتي الفكرية، ولم أجد أي طريق للخلاص والتعايش مع حالة العجز أمام معجزة الموت وأخذت أبحث في الكتب الفلسفية والنفسية والعلمية والادبية والتاريخية ولم أجد ما يقنعني، وأسأل السماء أن تمطر جزء من الصبر على قلبي المفجوع لاهثة وراء الشمس أحزم أشعتها لعلي أجفف هواء أفكاري من رطوبة الهم الذي جعلني أحس باللاشيء ومواجهة اللاشيء، وإنني أمر بتجربة قاسية أعيش داخلها بما أحمل من تخيل لهذا العالم وبما يحيطني من علاقات أسرها على شكل أدلة وبراهين لواقع أخرجني من إطار إلى إطار والجواهري أيضاً استخرج مفاهيمه من تجربة عاشها لفراق ( أم فرات) ولم يجد له عزاء إلاَّ الخروج من إطار الظن الذي يراوده وحاكم المفاهيم التي تعلمها ليسجل همومه في دفتر الصوت المخنوق لذا يصب جام حزنه قائلاً:
(( عزت دموعي لو لم تبعثي شجناً رجعت منه لحرِّ الدمع أتبرد
خلعت ثوب اصطبار كان يسترني وبان كذب ادعائي أنني جلد
بكيت حين بكا من ليس يعرفني ونحتُ حتى حكاني طائر غردُ
كما تفجر عينا ثرة حجر قاسي تفجر دمع قلبي الصلد
والإنسان حين يصبح مسير وليس مخير، وكفه تعلو وتهوى حسرات تغمس بالحزن العميق يؤثر به مشاهدة الموجة تلو الموجة بين شخوص لا يجد فيهم أيّ عزاء، ويخالط حواسه بعض الظلمة لحميمية الموقف وتتجلى أمامه عواصف الدهر، والجواهري أخذت التجربة عنده معناً آخر غير الإحباط المتذبذب، وتبنى البحث عن علاقة تحمل التساؤل وتشمل المعالجات لنقل التأثير بالذي حدث وتحويله إلى نغمات فوقية في قصيدة " أناجي قبرك" فيناجيها:
((مدي إليّا يداً تمدد إليك يدُ لا بد في العيش أو الموت نتحد
كنا كعشيقين وأنّى واحداً قدراً وأمر ثانيهما من أمره صدد
ناجيت قبرك استوحي غياهبه عن حال ضيف عليه معجلاً يفد
ورددت فقرة في القلب قاحلة صدى الذي يبتغي ورداً فلا يجد
ولفني شبح ما كان أشبهه يُجَعِدُ شعركِ حول الوجه ينعقد
ألقيت رأسي في طياته فزعاً نظير صنعي إذ آسى وافتأد
أيام إن ضاق صدري استرح إلى صدرٍ هو الدهر ما وفى وما يعد
لا يوحش الله ربعًا تنزلين به أظن قبركِ روضاً نوره يعقد
وفي حالة الجواهري أتحدث عن نفسي وأجدنا نحتاج فلسفة جديدة لأن أيامنا المهترء أطيافها والمجردة من واقع تصرفات ذهنية مغلوطة باستدلالاتها لظواهر لا تحمل معها أقطاب الزهور الفواحة لصباحات علَّها تكون مشرقة.. ولأننا نعيش تجارب تحمل معها الألم، ولكن الإنسان بطبعه يعتمد على الأسباب والمسببات والإنسان الشاعر بقدر ما تتعبه الأهوال؛ وهو لا يحب الإحباط ويسعى إلى الصعود فوق كل الضروف الصعبة ويستجلي من مكنونات المجهول طريق الخطاب غير ما اعتاد عليه الآخر، والجواهري نقش فوق تلال الرموز المدفونة مفاهيم تعلمها من صغرهِ وسكب عليها رموز الخلود كالتي نقشت على الألواح الطينية، ولم يستسلم لمغلوطات غيبية لا تسمن ولا تشبع من جوع، كيف وهو الشاعر الحذق المملوء إحساس بالحياة قائلاً:
((أين المفر وما فيها يطاردني والذكريات، طريا عودها، جدد.
الظلال التي كانت تفيئنا. أم الهضاب أم الماء الذي نرد
أم أنت مائلة؟ من ثم مطرح لنا ومن ثم مرتاح ومتسد
سرعان ما حالت الرؤيا وما اختلف رؤى, ولا طال- إلاّ ساعة أمد
مررتُ بالحور والأعراس تملأهُ وعدت وهو كمثوى الجان يرتعد
استعار الجواهري ملاحظاته من ذكريات لفحتها نفسه المتفحصة دروب تسير لم تتجاهل احد، وتؤرقه لحظات مسبوقة لعمر قد لا يكون فيه غير العقل وهو المملكة التي تحوي الغرائز، لذا يريد أن يبعد عنه شبح الخوف ويترك العنان للذكريات تختم القصيدة بتأنٍ وهدوء إذ يقول:
((لعلي قارئ في حر صفحتها أيُّ العواطف والأهواء تحتشد
وسامع لفظة منها تقرظني أم إنها – ومعاذا الله - تنتقد
ولا قط نظرة عجلى يكون بها لي في الحياة وما ألقى بها، سند
نشر للجواهري أول قصيدة عام (1931).
في عام 1939 توفيت زوجة الشاعر محمد مهدي الجواهري "أم فرات" وهو خارج القطر يشارك في مؤتمر في لبنان، ولم يحضر مراسيم الدفن، وعندما عاد كتب هذه القصيدة أثناء زيارة القبر.
غطس في صدى عينيها والقبر يحيل بينهما، فلا يجد غير النعي لمن فقدها وأصبحت تعزله عنها مسافات لا شأن لها بالقياسات، وتفتت فؤاده أمواج الفراق ونار الشوق لحدث عصت كل السبل فهمهِ هو من شؤون الدهر ودروبه، كان يحلم أن يعيش الحياة معها كما يحلو له متحرراً من طغيان الموت الذي أصبح حائلاً بينهما ، والآن لا يجد غير المناجات فيقول:
(( في ذمة الله ما ألقى وما أجد أهذه صخرة أم هذه كبدُ
قد يقتل الحزن من أحبابه بَعِدوا عنه فكيف بمن أحبابه فقدوا
تجري عللا رسلها الدنيا ويتبعها رأي بتعليل مجراها ومعتقد
أعيا الفلاسفة الأحرار جهلهم ماذا يخبئ لهم في دفتيه غد))
الجواهري يتهم الفلاسفة بالجهل، أمام الموت وعدم وصولهم لما يهدي البشر لمعرفة هذا المجهول، ونعم الاتهام!!!، ولا يوجد فلسفة اسمها الموت أو البحث في ماهية الموت؛ في يوم كتبت في مفكرتي " أجد الفلاسفة تعمل عمودياً مع المكان والحياة والمعرفة ولا تجد إلى الآن مسطح أفقي يجعلها تغطي فضائنا الفكري من هذه الناحية.. كنت في وقتها في حالة حزن شديدة لفقدان ابنتي ذات العشرة سنوات بحادث قلب حياتي الفكرية، ولم أجد أي طريق للخلاص والتعايش مع حالة العجز أمام معجزة الموت وأخذت أبحث في الكتب الفلسفية والنفسية والعلمية والادبية والتاريخية ولم أجد ما يقنعني، وأسأل السماء أن تمطر جزء من الصبر على قلبي المفجوع لاهثة وراء الشمس أحزم أشعتها لعلي أجفف هواء أفكاري من رطوبة الهم الذي جعلني أحس باللاشيء ومواجهة اللاشيء، وإنني أمر بتجربة قاسية أعيش داخلها بما أحمل من تخيل لهذا العالم وبما يحيطني من علاقات أسرها على شكل أدلة وبراهين لواقع أخرجني من إطار إلى إطار والجواهري أيضاً استخرج مفاهيمه من تجربة عاشها لفراق ( أم فرات) ولم يجد له عزاء إلاَّ الخروج من إطار الظن الذي يراوده وحاكم المفاهيم التي تعلمها ليسجل همومه في دفتر الصوت المخنوق لذا يصب جام حزنه قائلاً:
(( عزت دموعي لو لم تبعثي شجناً رجعت منه لحرِّ الدمع أتبرد
خلعت ثوب اصطبار كان يسترني وبان كذب ادعائي أنني جلد
بكيت حين بكا من ليس يعرفني ونحتُ حتى حكاني طائر غردُ
كما تفجر عينا ثرة حجر قاسي تفجر دمع قلبي الصلد
والإنسان حين يصبح مسير وليس مخير، وكفه تعلو وتهوى حسرات تغمس بالحزن العميق يؤثر به مشاهدة الموجة تلو الموجة بين شخوص لا يجد فيهم أيّ عزاء، ويخالط حواسه بعض الظلمة لحميمية الموقف وتتجلى أمامه عواصف الدهر، والجواهري أخذت التجربة عنده معناً آخر غير الإحباط المتذبذب، وتبنى البحث عن علاقة تحمل التساؤل وتشمل المعالجات لنقل التأثير بالذي حدث وتحويله إلى نغمات فوقية في قصيدة " أناجي قبرك" فيناجيها:
((مدي إليّا يداً تمدد إليك يدُ لا بد في العيش أو الموت نتحد
كنا كعشيقين وأنّى واحداً قدراً وأمر ثانيهما من أمره صدد
ناجيت قبرك استوحي غياهبه عن حال ضيف عليه معجلاً يفد
ورددت فقرة في القلب قاحلة صدى الذي يبتغي ورداً فلا يجد
ولفني شبح ما كان أشبهه يُجَعِدُ شعركِ حول الوجه ينعقد
ألقيت رأسي في طياته فزعاً نظير صنعي إذ آسى وافتأد
أيام إن ضاق صدري استرح إلى صدرٍ هو الدهر ما وفى وما يعد
لا يوحش الله ربعًا تنزلين به أظن قبركِ روضاً نوره يعقد
وفي حالة الجواهري أتحدث عن نفسي وأجدنا نحتاج فلسفة جديدة لأن أيامنا المهترء أطيافها والمجردة من واقع تصرفات ذهنية مغلوطة باستدلالاتها لظواهر لا تحمل معها أقطاب الزهور الفواحة لصباحات علَّها تكون مشرقة.. ولأننا نعيش تجارب تحمل معها الألم، ولكن الإنسان بطبعه يعتمد على الأسباب والمسببات والإنسان الشاعر بقدر ما تتعبه الأهوال؛ وهو لا يحب الإحباط ويسعى إلى الصعود فوق كل الضروف الصعبة ويستجلي من مكنونات المجهول طريق الخطاب غير ما اعتاد عليه الآخر، والجواهري نقش فوق تلال الرموز المدفونة مفاهيم تعلمها من صغرهِ وسكب عليها رموز الخلود كالتي نقشت على الألواح الطينية، ولم يستسلم لمغلوطات غيبية لا تسمن ولا تشبع من جوع، كيف وهو الشاعر الحذق المملوء إحساس بالحياة قائلاً:
((أين المفر وما فيها يطاردني والذكريات، طريا عودها، جدد.
الظلال التي كانت تفيئنا. أم الهضاب أم الماء الذي نرد
أم أنت مائلة؟ من ثم مطرح لنا ومن ثم مرتاح ومتسد
سرعان ما حالت الرؤيا وما اختلف رؤى, ولا طال- إلاّ ساعة أمد
مررتُ بالحور والأعراس تملأهُ وعدت وهو كمثوى الجان يرتعد
استعار الجواهري ملاحظاته من ذكريات لفحتها نفسه المتفحصة دروب تسير لم تتجاهل احد، وتؤرقه لحظات مسبوقة لعمر قد لا يكون فيه غير العقل وهو المملكة التي تحوي الغرائز، لذا يريد أن يبعد عنه شبح الخوف ويترك العنان للذكريات تختم القصيدة بتأنٍ وهدوء إذ يقول:
((لعلي قارئ في حر صفحتها أيُّ العواطف والأهواء تحتشد
وسامع لفظة منها تقرظني أم إنها – ومعاذا الله - تنتقد
ولا قط نظرة عجلى يكون بها لي في الحياة وما ألقى بها، سند